الإصلاح لا يصدق إلا علي الشيء المعطوب أو التالف حسب درجة تلفه فإن قلت إني سأصلح حياتي مثلا فهذا يعني إن خطب ما قد أصابها
ولا يعني إنها في حالتها الطبيعية ومن ثم فهي في حاجة لإصلاح وفي ضوء ما أسلفت أقول عندما نقول إصلاح ديني ونريد بالدين الإسلام فنحن أمام تفسيرين لا ثالث لهم لهذه المقولة وقبل أن أذكر التفسيرين يجب أن أوضح ما هما الفريقان الذان سيتبني كل منهم إتجاه دون الأخر وتفسير غير الأخر
يري البعض أن حال المسلمين الأن نتج عن شيخوخة الإسلام كفكر وكنظام للحياة وأنه كان يمثل مجرد تطور في حياة البشرية له ما له وعليه ما عليه وهؤلاء في الغالب يقرون ببشرية الإسلام إي أنه لم يكن ناتج من وحي من السماء وبناءا علي ذلك يكون الإصلاح الديني من وجهه نظرهم بتنحيه الإسلام من شتي مناحي الحياة والإبقاء عليه كعلاقة بين الفرد وكيان هلامي يدعوه إله وهؤلاء في الغالب يكونوا من غير المسلمين ولكن المدهش في الأمر فعلا أن تجد بعض المسلمين ينتمون لنفس الإتجاه ربما يكون ذلك لرؤيتهم المغلوطه للدين فهم يعتبروه مجرد علاقة بين العبد وربه المشكلة الحقيقة هنا أن الدين لو كان مجرد علاقة بين العبد وربه لما كان من وجوده فائدة وطائل فالرسالة السماوية نفسها لو لم يكن الهدف منها هو سعادة بني أدم لم يكن منها جدوي وكيف يمكن أن تسعد البشرية وتوفر لها الرخاء وهي محصورة في مجرد حركات رمزية وشعائر روحية لا علاقة لها بالحياة ولا بمجرياتها أذكر أني قرات تعليقا لأحد الملحدين ردا علي أحد العلمانيين العرب وكان يتفق معي في أن الرسالة السماوية لو يكن لها علاقة بحياة البشر لما كان لها فائدة
كان هذا هو رأي الفريق الأول والذي أعتبره رأي خرافي فأنا أعتبر أن الإسلام منزل من خالق قادر وبناءا علي ذلك لا يجوز أن يكون به عطب أو تلف وإلا نقض ذلك في إحتماليه وجود هذا الإله من الأساس ولربما أعتبر الإله نفسه خرافة ولذلك فانا أري وبما أني مقتنع- ومستعد لمناقشة أي صاحب رأي يخالفني - أن ديني كتشريع وكنظرية ليس به خطأ فأصحاب دعوي الإصلاح الديني بهذا المفهوم إنما يدعون لخرافة ففكرة أن يكون بديني خطأ تعتبر خرافة بالنسبة لي كما تتعتبر فكرة وجود إله بالنسبة لأصحاب هذا الإتجاه خرافة
أما عن الفريق الثاني والذي أتبني رؤيته فهو يعزي أسباب وصول المسلمين لما وصلوا له الأن لأسباب ومؤثرات خارجية لا يسمح السياق الأن بعرضها ولكنها إيا كانت فهي لم تنتج بصورة أوبأخري من أصل التشريع وصلب الإسلام والإصلاح الديني يكون المراد به هنا هو إصلاح الثقافة الدينية نفسها وهذا الإصلاح ينقسم قسمين القسم الأول هو جانب التأصيل وهو يعني إحياء ما أندثر من أصول الإسلام وتغيير الأفكار التي علقت بالدين وليست من أصله في شيء ولربما كان يمثل هذا الإتجاه السلفية علي الأقل في مجال العقيدة الإسلامية نفسها دون الخوض في النموذج السلفي المعاصر الذي ربما يراد به المملكة العربية السعودية أما القسم الثاني وهو ما يجب أن يضاف للثقافة الدينية من أفكار والتي يجب ألا تتعارض مع أصول الدين نفسه وربما مثّل هذا الإتجاه بعض الدعاة أمثال الدكتور طارق سويدان مثلا وهذا القسم يعتمد تفعيله علي مدي مرونة هذا الدين ومدي قابلية أحكامه علي التعامل مع مستجدات العصر ومتطلباته فإذا كان هذا الدين متصفا بهذه الصفات أصبح من السهل دخوله في عملية إصلاحية يعتمد المدي الزمني اللازم لها علي مدي توفر الكوادر التي يمكنها القيام بهذه العملية ومساحة الحرية التي تعطي لهم وعلي مدي تقبل عامة الناس لهذه العملية وفي الحقيقة إن المسمي الذي أذهب إليه وأعتقد أنه يعبر فعلا عن عملية الإصلاح الديني الذي أقصده هو إصلاح الثقافة الدينية وليس الإصلاح الديني ليكون من الواضح أن المراد من هذه الحركة هو مجرد تغيير أفكار وتصور المؤمنيين عن الدين بما يسمح به الشرع ولا يتناقض معه